.
  سيرة 9
 

مذكرات موموح
سيرة 09

محمد الصفا

"يَمَّا تَشْفَا" القديسة السمراء، شخصية من نِسْوَةِ تحفورت، قويةُ الحضورِ في ذاكرة موموح غائبةٌ طبْعاً في سجلات الاتحاد النسوي، عاشتْ مُعْظَم أيامِها بالخيْمة عند سُفوح بويبلان قبل أن تستقر بالقرية.
تَبّاً لقائد مغراوة الذي لم يكن محظوظاً حيثُ لم تُتَحْ له الفرصة حتى يَتَعَرَّفَ على هذه الشخصية الفذة التي لم تَكُنْ تخافُ أحداً إلا الله و "الكَرْدْ" (حارس المياه و الغابات)، و هل كانت "تشفا" كاملةَ المُواطَنَة حتى يَهْتَمَّ بها القُوادُ الذين تعاقبوا على حُكْم المنطقة ! فيسألوها مثلاً لماذا هي على الدوام حافية القدمين و لماذا هي متزوجة بدون عَقْدٍ و كيف جاءت بفريقِ كُرةٍ من الأولاد و لَمْ تَرَ الطبيبَ قَطُّ، و لماذا... و كيف... و لماذا...
يتذكر موموح اهتمام "يَمَّا تَشْفَا" به، حيث كانت كُلّما سمعتْ خَشْخشات أغصان الكَرْمة المجاورة لنافذتها تُنَبّهُه حتى لا يَسقُط أو تُهديه بعضاً من بيْض دجاجاتها.
كَمَا موموح تكتفي القديسةُ بقطعةٍ واحدة من اللباس بالصيف تُعَزّزُها بِ "تَبَرْدوحْت" بالشتاء، لم يسبق لموموح أن رأى أكثرَ من بعض خصلات شعرها المُخْشَوْشَنِ تُطِلُّ مِنْ عَلى أذُنَيْها أما باقي الرأس فكانت تُغَطّيه بِ "تَرِيطَاتْ".
تستيقظ "يَمَّا تَشْفَا" على صَليلِ مُقارعَة المطرقة للسّنْدان بِ "تْحانُوتْ" الحدادة المُلاصِقة لِبَيْتِها فيلتقي بها موموح في طريقه لالتقاط حبات الزيتون و هي راجعة تحمل على ظهرها "أَيَدِّيدْ" مليئاً بالماء.
كانت "تعشق" نَقْلَ الأحْطابِ على ظهرها من عُمقِ جبال "بوفروخ" ، فمباشرة بعد نقل الماء تذهب لاستقدام حطب التدفئة، حافية القدمين تمشي الهوينى على طريق ليست كالطريق فتسمع لها أنيناً و زفراتٍ من وَطْءِ ثِقْلِ رُزْمَتِها التي تحملُها لساعات كأنها محكومة بالأشغال الشاقة.
لقد كانت "يَمَّا تَشْفَا" نموذج المرأة الأمية بامتياز، فكان موموح يُشْفِقُ مِنْ حالِها و هو يَسْمَعُ ابنَها "حَمُّو" يحاول دون جدوى أن يُحْفِظَها الفاتحة لتقرأها في صلواتها، فَتَرُدُّ عليه بعد فشلِها أنها لنْ تستطيع إلى ذلك سبيلا و أنها تُعَوِّضُ عن ذلك بدعاء بالأمازغية تقول فيه : "يا رَبّي شَكْ تْسَّانْتْ نَتْشْ أُورْ سِّينَغْ ، قْبَلْ زَّاكِي تْسَامَحْتِيِي" و هو دعاء مفاده : "يا ربي أنتَ تعرفُ و أنا لا أعرف فَتَقَبَّلْ مني و اغفِرْ لي".
إنها أحسن الصلوات على الإطلاق، فسلام عليك أيتها القديسة المناضلة و تباً لوزارة يقال إنها تهتم بالمرأة و بالأسرة.

 
  Aujourd'hui sont déjà 19734 visiteurs (49621 hits) Ici! Copyright Mohamed SFA 2008  
 
Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement