مذكرات موموح
سيرة 8
محمد الصفا
كان "جَرْمونْ" أبيض اللون لطيفاً تُحِسُّ أنه ينظر إليك باحترام، فهو يقوم حين يرجع أهْلُ الدار مُحَرِّكاً ذَنَبَه مُستقبِلاً ويبقى باسطاً ذِراعَيْهِ بالوَصيد غيرَ آبِهٍ حين يغادرون.
لم يكنْ "جرمونُ" كلباً شَرِساً بل كان فاتِرَ الْهِمَّةِ لِمْفاوِيُّ المزاج لا يُغَيِّرُ مكانه إلّا قليلا، لكنه كان شديدَ الانتباه كحارسِ قلعة و كثيرَ النُّباح ليلاً كباقي أتْرابِه من حُرّاسِ القرية.
يستطيع موموح أن يُمَيّزَ بين نباح "جرمون" و أصوات الكلاب الأخرى، و لأنه الأقربُ إلى أُذُنَيْهِ فقد صار نُباحُه ضرورةً تُريحُ موموح و تُذْهِبُ عنه الخَوفَ والحَزَن.
لا يغادر "جرمون" الخِدْمةَ إلا لقضاء حاجته بعيداً عن النَّظَرات تم يَمُرُّ في عودته على الساقية لِيَلْعَقَ الماء من جهة الصبيب الهادئ.
يقف "جرمون" بالباب كمن يستجدي، إنه جائع، لكنه لا يستجدي أيّاً كان، إنه ينتظر ظهور أم موموح لتُطْعِمَه كما العادةِ وَجْبَتَه المُكونة دَوْماً من النخال و الماء، فتراه يَلْتَقِم ُ طعامه من "تْسارَسْتْ" بشراهةٍ دون أن يأْخُذَ نَفَسَه.
يتذكر موموح جيداً كيف كانت أمه تُقْنِعُه بأنْ ينام و لا داعي للخوف حيث كانت تتحدث عن "جرمون" كصمام أمانٍ رابضٍ بالباب لا ينام مهما حَلِكَ الليل.
كان موموح يُحِسُّ كما لو كان "جرمونُ" فرداً من أهله، و كانت علاقتُهُما تختلف عن علاقة موموح مع صِغارِ العَنْزات "إِغِدْنْ" كَتَكْريسٍ لفكرة الأمْن قَبْلَ الغذاء.
نعم، كان موموح يُحِبُّ "جرمون" الكلب الذي بادله نفس الإحساس فبَقِيَّ وفياً لِذِكْراه...
|