مذكرات موموح
سيرة 11
محمد الصفا
إذا كانت "يَمَّا تَشْفَا" القِدّيسةُ نَمْلةً بِحَجْمِ الطَّوْدِ فإن "خاَلْتِي تْلَيْتْمَاسْ" أَوْ "يَمَّا تَلُّو" كانت من السُّنْبُلاتِ المُثْقَلاتِ بِحَبٍّ و حُبٍّ يَسَع ُ الأرضَ و يَنالُ مِنْهُ كُلُّ مَنْ عليها.
امرأةٌ بشخصيةٍ قويةٍ و كاريزْمِيَّة، صارمةٌ عَبْرَ الانْتِقادِ حاضرةٌ مِنْ خِلال تَهَكُّمِها اللّاذِع، اَلِفَتْ أنْ تَجْلِسَ إلى الرجال من عائلتها من أهْلِ الحَلِّ و العَقْدِ بالقرية "تّْجْمَاعْتْ" و تُقَارِعهُم الأفكارَ و الرأي، كانت ذاتَ طَلاوَةٍ في وَجْهٍ يُعْطيه الوَشْمُ بَهْجَةً وعُذوبةً تُؤثِّرُ في القلب، كما كانتْ ذاتَ حلاوةٍ في الكلام تُضْفِي عليها الْهِبَةَ و الوَقار.
تستمد "تَلُّو" حضورَها القوي من أبٍ يُعَدُّ إِمامَ الأئمّة بامتياز و مِنْ زَوْجٍ يتمتّع بسُلطاتٍ معنويةٍ لا تُضاهيها بالقرية أيُّةُ سلطةٍ أُخرى.
تَخْشَى النِّسْوَةُ مِرَاسَهَا الصَّعْب و مَوْضُوعِيَّةَ فُضُولِها، و في جميعِ الأحوال هِيَّ كَالأُستاذِ لَهَا على الدَّوام الاحترامُ و الغَلَبَة.
تجلسُ فوق "تْسَالَلْتْ" بِبَيْتِها الذي يُطِلُّ على القرية فيَنْظُرُ إليها الجميع مِنْ أَسْفَلِ الوادي كَما يُطَالِعُونَ القمرَ في سَماه، تَظْهَرُ للنَّاظِر بِلِباسِها الأبيض الذي لا ترْغَبُ في لَوْنٍ سِواه كما رأسِ جبَلِ بويبلان في عُلاه.
لَمْ يَنْسَ موموح كيف كانتْ تُشيرُ عليه بأنْ يَصْعَدَ إلى عَرينِها بِ "لَعْرِي" فَتَقِفُ لِتُراقبَ صعودَه إليها و هي تَحُثُّهُ على الانتباه حتى لا يَفْقِدَ تَوازُنَه. يَصِلُ موموح بعد جُهْدٍ يكادُ يَخْنُقُ أنفاسَه، فَتَحْضُنُهُ مُسْتَقْبِلَةً إيَّاه بِكُلِّ دَلَعِ الدُّنْيَا "أَلَلِي خَالْتِي أَلَلِي خَالْتِي"، ثم تُنادي مَنْ بالدار و تُعْلِنُ بأنَّ موموح قد جاء فأعِدُّوا له "تَطَلِّيسْتْ"، و هي قِطعةٌ من الخبز مَطْلِيَّةٍ بالسَّمْنِ الطري.
كانت "تَلُّو" تَحُفُّ موموح بِنُصْحِها و حَنانِها و كان يُبادِلُها الحُبَّ و الاهتمام، فَسَلامٌ على رُوح السِّتّْ "تلايتماس" المُخَيَّمَةِ دَوْماً على الأعالي.
|