.
  سيرة 12
 

مذكرات موموح
سيرة 12

محمد الصفا

استيقَظ موموح على صوتِ ديكٍ صَيَّاحٍ ثم خرج كالعادة إلى ملْجَئِهِ خلْفَ جِدْعِ شجرة الزيتون، فسَمِعَ و هو في طريقه وَقْعَ حَوافِرِ دابّةٍ فالْتفَتَ ثُمّ رَأَى ما رَأَى ، رأى رَجُلاً غريباً مارّاً عَبْرَ القرية بجِلْبابِه و عَمامتِه الأنيقين يمْتَطي بَغْلَتَهُ مَرْفوقاً بامرأة تمشي خلْف الدَّابَّة و هي تَقٌبِضُ بيدِها و بقُوة بِذَنَبِ الحيوان، كانت المسكينةُ تحملُ في ظهرها طفلَها الصغير و تَتَقَدَّمُ مُلْزَمَة بمُسايَرَة سُرْعَةِ البغلة فَبَدَتْ كمَا لَوْ كانتْ مجرورة.
تَرَيَّتَ موموح في وقْفَتِهِ رغْم ضغْطِ حاجتِه و راح يُتابع ابْتِعادَ العائلة الغريبة مُستهْزِئاً بِداخلِه من "رَجُلٍ" كان عليه، في تقديرِ موموح، أنْ يسيرَ على قَدَميْه قابِضاً باللِّجام و تمتطِيَّ المرأة و طفلُها البغلة.
لم تكنْ لَقْطةً منْ فيلمٍ عنْ وسائلِ النقل بيْن قُرى الأعالي أو حالةً معزولة لنْ يُعْتَدَّ بِها، بل هي حقيقة مُرّة من الواقعِ المَعيش في مجتمعٍ جَبَلِيٍّ "كانتْ" تتساوى فيه البغلةُ و المرأة.
وَيْحَهُ موموح، لقد صار عُرْضَةً لِتَأْريقِ الأسئلة الكبرى ! وَيْلَهُ موموح لقد ضَرَبَ للغُرَباءِ مَثَلاً و نَسِيَّ نفْسَهُ و راحَتَه، فانْتَبَهَ على وَقْعِ مُرورِ سِرْبٍ من النِّسْوَةِ يَحْمِلْنَ الماءَ و قدْ أَوْقَفَ الضَّغْطُ الدَّمَ في عُروقِ قَفَاه فانصرَف مُسرِعاً ليُعانِق جِدْعَ الشجرة...
رجَع موموحُ مباشرة إلى البيت ليَسْألَ أُمَّهُ هل سبَقَ لها أن ركِبتْ البغلةَ بمُفْرَدِها و هل تستطيعُ أنْ تُرْدِفَهُ خَلْفَها على ظَهْرِ دابَّةِ أخْواله، ضَحِكَتْ مُستغرِبَةً طُموحَ قَزَمِها الصغير و رَدَّتْ مُحَذِّرَةً إيّاهُ من عواقبِ مُحاولتِه الاقترابَ منَ البغلة.

 
  Aujourd'hui sont déjà 19734 visiteurs (49608 hits) Ici! Copyright Mohamed SFA 2008  
 
Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement