مذكرات موموح
سيرة 18
محمد الصفا
يحكي ميمون صديق موموح عن تقنية جَدَّته لقتل القُمّل و التي تَعْتَمِدُ على استعمال أدوات أُكْلة "أَحْلاَوْ": "ضْزِيوَا" و "تَغَنْجَاشْتْ" و هي منتوجات محلية من مادة الخشب.
و بِغَضِّ النظرِ عن طبيعة هذه الأدواتِ و وجودِها بالمُتَناوَلِ و فعاليتها في عملية مَعْسِ القُمّل فإنّ اللجوء إليها و إلى غيرَها من الأساليب الأخرى المستعملةً عند أهالي قُرى الأعالي كنَفْضِ الملابس فوق النار، يُلَبِّي رغبةً في النفْس للاستماع إلى "طّرْطَقاتٍ" كأصواتِ الشُّهُبِ الاصطناعية و الاسْتِمْتاعِ بها و التأكُّدِ من أنّ الحشرات قدْ قُضِيَّ عليها نهائياً رَغْم العِلْم بحَتْمِيّة رُجوعِها، و كيف لا و هي مِنّا و إلينا.
إن عِشْقَ موموح لِأُكْلة "أَحْلاوْ" و ارتباط الأمرِ بالسيرة السابقة هي من أسباب التّعْريج على حكاية ميمون و جَدّته، أما هذا الْ "أحْلاوُ" فهو أُكْلةٌ أمازيغية تُصْنعُ من بَلْبولة الشعير و تُسْقى باللبن حتى يصيرَ مذاقُها بِطَعْمِ الحُمُوضة اللذيذ، فتُأْكَل بملاعقَ من خشب " تَغَنْجَاشْتْ" و الجمْعُ "تِغَنْجَيِينْ".
يتذكر موموح جيداً كيف كان يَسْتَقْرِبُ إعْدادَ أُمّهِ لهذه الأُكلة المُفضَّلة لَدَيْهِ و كَمْ كان استعمالُ هذه المِلْعقة الخشبية الثقيلة يَعْتاصُ على يَدِهِ الصغيرة فصارَ لا يَمْلُؤُهَا ثُمّ يَسْتَعِيضُ عَنْ ذلك بسُرْعةٍ في الأكلِ مُسْتَعْذَبَةٍ عنْد الأطفال.
يَنْفَسِحُ وَجْهُ موموح لِغَزْوِ الذُّباب الذي يَتَعَيَّشُ من مُخاطِيٍّ دائمٍ بالأنْفِ و رَمَصٍ بالعَيْنِ و شارِبٍ أَبْيَضَ من بقايا "أَحْلاوْ"، و رغم محاولاتِ موموح مُواجَهَةَ الغُزاةِ باستعمال ظاهِرِ يَدِهِ اليُسْرى للتَّخَلُّصِ مِمَّا طَلَى شفَتيْه فإنّ عِنادَ الذُّباب يَدْفَعُه إلى البحث عن "أَسَفُّوطْ" (قطعة من ثوْبٍ خَشِنٍ بُنِّيِّ اللّوْن يُحْفَظُ فيه العجينُ حتى يَخْتَمِر) ليُنَظِّفَ به فَمَهُ، فتَنْتَفِضُ أُمُّه مُنَبِّهَةً إيّاه بأنّ أدوات الأكْل مُقدسةٌ و أن الله سيُحاسِبُه عن ذلك.
قَبَّ شَعْرُ موموح الفَطِينِ مِن قُوّة هذا التناقض الصّارِخ بين تَقَدْسُنِ " أَسَفُّوطْ " و السكوتِ عن استعمال مِلْعَقةِ "أحْلاوْ" لِقَتْلِ القُمّل، لكنّه ما كان لِيُواجِهَ أُمَّه بذلك فهي شديدةُ التَّدَيُّنِ وَبَّاخَةٌ تسْتَمِدُّ قَناعاتِها مُباشَرةً من أبيها الفقيهِ مَرْجِعِيَّتِها الحَصْرِيّة.
مُنْتَفِخَ البَطْنِ يقومُ موموح و قد أَفَزَّهُ الأمْرُ و اخْتَلَطَ عليه فصار مُنشغِلاً بتَفْقيعِ أصابعِه و هو يحاوِلُ مواجهةَ شُكوكٍ بَدَأتْ تُرَاوِدُ عقْلَه الصغير.
وَيْحَهُ موموح، لا قِبَلَ لَهُ بمُواجَهَةِ جَدِّه الفقيه الذي يَعْلَمُ كُلَّ شيء، وَ ثَبًّا للمُعلّمِ و مدرستِه العاجِزَيْنِ عنْ مَدِّ موموح بعناصرِ الجوابِ عن قَلَقِه...
|