.
  سيرة 15
 

مذكرات موموح
سيرة 15

محمد الصفا

لم يكن اليومُ يومَ مدرسة، فكان على موموح أن يَذهبَ حيثُ يتلقَّى جُرْعَتَه المُعْتادة من الخوف و هو في طريقه بالبقرة إلى "بوفروخ".
يُؤْمِنُ أهلُ "تحفورت" إيماناً لا يَأتيه الباطلُ أبداً بأنَّ صناعةَ "الرَّجُلِ" تَمُرُّ أساساً عَبْر جَعْلِ الطفلِ في وَضْعيّةٍ صعْبَةٍ و ترْكِهِ يُحَلْحِلُ الأمْرَ لِوَحْدِه، إنّها مِجْلاةٌ حقيقية لصَقْلِ الطفولة و لكنّها منهجيةٌ مكيافيلية عانَى منها موموحُ و أتْرابُه.
على طولِ الطريق إلى "بوفروخ" يمُرُّ موموح وُجوباً عبْر فَجٍّ عميق تمنحُ طبيعتُه الخالِبَةُ مناظرَ لا مثيلَ لها على الإطلاق.
لم يكُنْ موموح يَجْرُؤُ على الابتعاد كثيراً عن البقرة التي لا تَحِيدُ عن طريقٍ تعرفُها جيّداً، بلْ تراهُ جادّاً في البحث عن حالةِ تَخاطُرٍ مع الحيوانِ مُحاوِلاً الهروبَ من خوفٍ تفرضُه عليه جغرافيةُ المكانِ فيسْتَبْطِنُهُ موموح لِرفْعِ تحَدّي حقيقي لا يَفهمُ و لا يَعي كُنْهَهُ و أسبابَه.
كما أنه لم يكن بإمكان موموح الاستمتاعُ بطبيعة غَنيّة بالألوان و الأصوات تُشْبِهُ إلى حَدٍّ بعيدٍ تَبَرْقُشَ جناحَيْ أحْلَى الفراشات، و بِقدْر ما يُوَفِّرُ مَمَرُّ "بوفروخ" فضاءً لعُشّاقِ جَمَالاتِ الله في كَوْنِهِ بقدْر ما كان موموح خاضعاً لضرورةِ تقْزيمِ مَجالِه السمعي البصري و فَرْمَلَةِ جُموحِ خيالِه الجَمالي حتى لا تَتَمَثَّلَ له "تَرْكُو" الغولَةُ في شَجَرٍ أو في حَجَر.
يَقَعُ بوفروخ بين جبَليَن يرتفِعان إلى أكْثرَ من ألْفَيْنِ من الأمْتار و لا يتّسِعُ الفضاءُ بيْنَهُما إلاّ في حدودِ خمْسينَ مِتْراً تَنْقُصُ أو تَزيدُ قليلا، و يرى النّاظِرُ في عُمْقِ العُلُوِّ زرْقَةَ السماء كأنّها تُطِلُّ لتَحِيّةِ الزائر الذي يسْتَمْتِعُ بأصواتِ ساكِنة "بوفروخ" من الطَّيْرِ و كأنّها وَحْدَها الحاضرةُ لتَأْثيثِ هدوء المكان...
ويْحَه موموح الخائف... و تبّاً لوزارةٍ السياحة، فهي لا تعرف "بوفروخ".

 
  Aujourd'hui sont déjà 19734 visiteurs (49618 hits) Ici! Copyright Mohamed SFA 2008  
 
Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement