.
  سيرة 17
 

مذكرات موموح
سيرة
17

محمد الصفا

اسْوَدَّ السَّقْفُ من فوقِ "تحفورت" و صارتِ السماء في لَبَـدٍ كَثيف ، فترى كُلَّ ما يَدِبُّ فوق الأرض في اضطرابٍ شديد.
الْتحَقَتِ الدجاجات و الدِّيَّكةُ قبل موعدِها المعتاد ب "أَرْكينْ" الأَحْطابِ و أرْخَى "جرمون" ذيْلَه و بَدَا فاقداً كلَّ رَبْطٍ مع محيطه المباشر.
صارت أم موموح و نِسْوة العائلة يَمْشين و يجِئْن في اضطراب ملحوظ.
لم يكن موموح، رغم ذكاءٍ طـفوليٍّ مُتَّقِـذٍ، لِيَفْهَمَ أسبابَ هذه الاستِنْفارات الشِّبْهِ حربية، و ما كان لِيَعِيَّ خُطورةَ الوضع الذي سيَقُومُ بعدَ حين، لكن موموح الخَوِّيف صار مُشَوَّشَ الفكر خائِرَ النفس فَأَوَى إلى رُكْنٍ بجانب الكانون و افْتَرَشَ بقايا حصيرٍ قديمٍ تآكَلَتْ أطرافُه و تَوَسَّدَ شِوَالاً من الخِيش مُلْقاً على الأرض به شعيرٌ و عليه "تْرَاطِيبْ" البغلة إلى جانب بردعتها.
لقد ألِفَ موموح أن "يَتشَمْكَر" بواسطة "التْراطيب" الذي تَفوحُ منه رائحة عَرَقِ البغلة بقوةٍ تفوقُ دخان الأُكْسيد.
يقفز موموح مرعوباً من شدة قوة الهَزيم، و يَرْتَدُّ بصرُه خاسِئاً من لَمَعان برْقٍ شَطَرَ السماءَ نِصفيْن، ولم يُقَلِّلْ من روعِه سوى وضْعُ أحدِهِم لحصيرٍ فوق الكُوَّةِ الوسطى لسقْف تَدَّارْتْ "تَنْـفيسْرَا".
لم يكن دَوِيُّ البرقِ رؤوفاً بقلب موموح الذي أحَسَّ بِحَزَازٍ عميقٍ كما رَدَّةُ الفعل تُجَاهَ الصوتِ المُرْعِبِ لأجْنحة الحَجَلِ عند إقلاعها المُفاجئ.
هدأتِ العاصفة مع دخول الليل إلى "تحفورت" و التحاق الرجال بالبيت تَحَسُّباً لأيِّ "تسونامي" قادمٍ من الشِّعاب الجَبليّة لِيُكَوِّنَ اللقاءُ حُمولةً تُخْرِجُ النهرَ عن مجْراه فيصيرَ فيضاناً يعْزِل الدُّورَ القائمة بالسفح.
استيقظ موموح في ذراعيْ أمه و هي داخلة به إلى بيتِ جارتها السيدة "تَالْعَرْبِيطْ" الموجود خارج مُتناولِ الفيضان الذي أتى على ورشة الحِدادة و غمَرتْ مياهُه "تدارت".
كان تهريب الأطفال عند "تالعربيط" إجراءً احتياطياً فرَضَه الخوفُ من تفاقُم الوضْع.
تبّاً لوزارة التجهيز و للمصالح التقنية للجماعة...

 
  Aujourd'hui sont déjà 19734 visiteurs (49628 hits) Ici! Copyright Mohamed SFA 2008  
 
Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement