مذكرات موموح
سيرة 13
محمد الصفا
شَرُودٌ بِهَيَمَانٍ مُتَرَدِّدٍ، كذلك صارَ موموح الذي لمْ يَكُنْ و رفاقُهُ يتفاعلون مع السيد السُّوماتي المُعلم الفاسي الذي لا يعْرف اللغة الأمازيغية فَعَيَّنُوهُ ليُدَرِّسَ و يُعَلِّمَ أطفالاً لا يعرفون اللغة العربية ! إنه بالتأكيد أمْرٌ لا يستقيم.
اكتملَ بناءُ الأقسام التُّرابية و جِيءَ يوْمَئِذٍ بالطاوُلات صَفاًّ صَفاًّ فَبَهَتَ موموح رغْم أنها كانت من الخشَب المادةِ المأْلوفة لدَيْه، فصار يتفَحَّصُ أجْزاءَ هذا الشئِ الغريب الذي لم يسبِقْ له أن رآه بالمسجد عند جَدِّه سِّي مَرزُوق حيثُ كان يجلِسُ على الحصير مع صغارِ السّنِّ من المستمعين، كما أنّه لمْ يكُنْ يعرفُ مِنْ أَثاثِ الجُلوس إلاّ "تَجَرْتِيلْتْ" أو "تْكَايْرْتْ".
شخْصٌ غريبٌ عن القرية لا يعرف لُغةَ أُمِّ موموح يُقالُ له "المُعلِّيمْ"، و أخْشابٌ غريبةٌ للجلوسِ بِثُقْبَيْنِ بِهِمَا مِحْبَرَتَيْنِ و لَوْحةٌ كبيرةٌ سوداءَ ينْظُرُ إليها الجميع و يُكْتَبُ عليها بِصَلْصالٍ أَصْلَدَ شديدِ البياض (آه على زَمَنِ المِحْبَرَة، يُقالُ إنّ الدراسةَ انْقَرَضتْ مع ذهابِ المحبرة و الرِّيشَة)، إنّ الأمْرَ بِقَدْرٍ من الجِدّةِ و الغَرابةِ كبيرٌ ما جَعَلَ موموح دائمَ التفكير قليلَ الانتباه.
كَبُرَ خوْفُ موموح و زادَه هَوْلاً عدمُ قُدْرَتِه على إِيجادَ حَلٍّ لِفكرةٍ نزلتْ عليه كالصَّاعِقة، لم يكُنْ يستشيرُ أَحَداً قَبْلَ أن يذهب لقضاء حاجته، كما أنّه لا يعرف لغةَ المعلّم حتى يستأْذِنَه في الخروج ليَبْحَثَ لهُ عن جدع شجرة مَلْجَئُه الوحيدُ و مَشْتاهُ و مَصِيفُه.
كُلُّ شئٍ بالمدرسة يُوحِي بالخوْف، فصار الجوُّ مَهِيباً فاهْتاجَتْ أفكارُ موموح فتَحَوَّلَ منْ حَيَوِيَّتِهِ المِمْراحَةِ إلى طفلٍ هَيُوبٍ مَهيضِ الجناح.
جلسَ موموح فوق مقعدِ الطاولة و قد افْتَقَدَ أُمَّهُ الوحيدةُ التي يُمْكِنُها مرافقةُ و مُواساةُ نفْسِهِ المَكسُورة.
فكيف لا يَسْتَقْبِحُ موموح هذا الْعَجَبَ العُجاب المُسَمَّى المدرسة ؟!
|