مذكرات موموح
سيرة 16
محمد الصفا
سريعَ الخُطَى في عَدْوٍ فاقَ الهرْوَلَة كما البَغْلَة عائدة من السّوقِ في اتّجاه مَرْبِطِها، كذلك يرجِعُ موموح من مُهِمّتِه ب "بوفروخ" هارباً من خَوْفِه و الشمسُ تُحاوِل في كَسَلٍ ملْحُوظِ مُغالَبَةَ ارتفاعِ الجَبَلِ الشرقي.
يتذكر موموح جيداً تلك الصباحات ذات الصَّحْوِ و زرْقَةِ السماء التي تكاد تُحَدِّثُه عن صفاءها في هدوءٍ لا يُفْسِدُه إلاّ برْدٌ صباحيٌّ قارسٌ تَزْمَهِرُّ مِنْهُ عيناه.
يَنتظِر موموح كما أهْلِ القرية قاطبةً بشَغَفٍ قُدومَ الشمس بما تحْمِلُه من دِفْءٍ، فتَراهُ و أُمَّه يصعَدان إلى "تِسْطارْ" الدرجات الأولى من الواجهة الجَبَلِيّة حيث نقطةُ الالتقاء مع الأشِعّة الأولى.
لم يأْتِ موموح مع أُمّه ليَتَدَفَّأَ فقط بل يتوّسّدُ فخِدَها و يصيرُ في حالة استرخاء من جَرّاء مُداعبة أنامِلِ أُمّه و هي تُفَلِّي رأسَه التي لمْ تَتَصَوْبَنْ منذُ وقتٍ غيرِ يسير.
يَنْتَقِلُ موموح و أُمُّه في الفترة ما بعد الزوال إلى الواجهة الأخرى من الجبل المقابل حيث تنسحب الشمس فَيُسابِقان الظِّلَّ الآتي من أسْفَلِ السَّفْح، فتُخْضِعُ الأُمُّ الجانبَ الآخرَ من رأس موموح لِعمليّةِ تنْقِيَّةِ قُمَّلٍ اسْتَعْمَرَ حتى بَاضَ.
تنتهي الأمُّ من رأس موموح فتنتقِلُ إلى قميصه "تَكْدْوَارْتْ" فتراها تبحث عن الحشرات بين الثنايا الداخلية لثَوْبٍ اسْوَدَّ عُنُقُه من تَراكُمات العَرَقِ "فَتَمْعَسُ" كلَّ المقْبوضِ عليها من القَمْلات بظاهِر ابْهَمَيْها...
ويْحَها الحشراتُ الأليفة من حِدَّةِ البصَر عند أُمِّ موموح...
|