مذكرات موموح
سيرة 20
محمد الصفا
ضَحَتْ "تحفورت"، و بِقَدْر ما كانت أشعّةُ الشمس الصباحية تَحْمِلُ دفءاً مستعذَباً بقدرِ ما كان موموح يَعملُ بنصيحة أُمِّه فيحتاط من ضربات لَظاها.
اسْتَكَنَّ موموح في ظل الزيتونة المُحاديّة للباب الخارجي و راح يُتابع باهتمام خُروجَ إحدى دجاجات أُمّه من شوْنَةِ التّبْنِ بِ "السَّنْداسْ" و هي تشُقُّ الطريق أمام صِيصَانِها في حِنِّيَّةٍ رائعة و يَقَظَةٍ شديدة.
كُمَيْتٌ لوْنُها، أمّا الصغارُ فكانوا باصْفِرارٍ يحْكُمُه شَبَهانٌ مُوَحَّدُ الكَمال، منفوشةَ الريشِ فتصيرُ أكثرَ حجْماً لتُخيفَ كلَّ ما يَدِبُّ في محيطِ الصِّيصان، تمشي مِشيةَ الدَّلَعِ دون عجْرفة و كأنّها تَبحث عن شيءٍ ضاع منها فتُصْدِرُ أصواتاً تُنادي من خلالها كُلَّ صُوصٍ تأخَّر عن الرّكْب.
تتقدّم الدجاجةُ و "قطيعُها" الصغيرِ في اتجاه المطارح الخاصة بفضلات البهائم حيث الديدان و الحشرات، فكان عليها أن تَعْبُرَ الساقية حتى تبلغ وِجهتَها و هو تمرينٌ لا يخلو من خطورة بالنسبة للصغار، فتراها تبحث عن النقطة الأقَلِّ عُمقاً و الأضعفِ صَبيباً بالساقية لتأمين عبورٍ سالمٍ لفِراخِها.
وقفَ موموح مذعوراً، ليس من خوفِه على "الفلاليس" فحسبْ، لكن الموقف أيقظ عنده فوبيا جعلته في مُواجهة خوفه من الماء و هي حالة نفسية تَرَتَّبَتْ لديه عن تبِعات الفيضانات وعن الصعوبات المرتبطة بغياب تجهيزات للعُبور فوق الأنهار بالمنطقة.
أأنتِ أرضُ الخوف يا "تحفورت " ؟ أأنتِ مَنْ صنعْتِ موموح الخَوِّيف الذي يُرهِبُه المكانُ و الزمان و الماء ؟ تُخيفينَ موموح فيهربُ من خوفه إليك، يُرعِبُه كلُّ شيء بكِ فيزداد تعلُّقاً و حُبّاً فيك.
أهو الخوف كحقيقة و كواقع تنتجه عناصرالطبيعة فيصيب الطفولة، أم هي لعبة تحدي الخوف تفرضها العائلة و القبيلة لصناعة الرّجُل الملائم لمحيط "تحفورت" ؟ أمْ هو غيابُ التجهيزات الخدماتية الذي يجعل قرى الأعالي معزولة عن العالم الخارجي فيصير أطفالها قَلِقين خَوِّيفين ؟
ويْحَهُ موموح حين يصيرُ الخوفُ أستاذَه بتعيينٍ من القبيلة، و تَبّاً لحكومةٍ لا تساعد صيصانَ أُمِّ موموح على عُبور الساقية.
|