.
  الغرف المهنية: المقاربة القانونية لا تكفي.
 
الغرف المهنية: المقاربة القانونية لا تكفي.
 
محمد الصفا
باحث في مجال الغرف المهنية
 
 
صدر في العدد 2994 بتاريخ 25 نونبر 2009 من جريدة الصباح مقال يحمل توقيع السيد محمد العربي الهراس تحت عنوان "الغرف المهنية في مفترق الطرق"، المقال أثار انتباهي و أسعدني على مستويين، أولاً لأن الغرف المهنية لا يتناولها البحث إلا لماما و يكون المقال بذلك قد وفر لي و للمهتمين فرصة الانخراط في حوار من شأنه، في حده الأدنى، أن يعرف بهذه المؤسسات، و من جهة أخرى لأن السيد الهراس كان دقيقاً في تحليله فجاء تناوله للموضوع مهماً.
و لكنني رغم ذلك و بحكم أهمية انتظاراتي، ليس من السيد محمد العربي الهراس المدير العام للجامعة المغربية لغرف التجارة و الصناعة و الخدمات و لكن من الدكتور الهراس الباحث الاقتصادي المتخصص في مجال المؤسسات و المنظمات الممثلة للقطاع الخاص، رغم ذلك فإنني أعاتبه على أسلوبه الحذر المفرمل لآليات البحث و حياديته.
 
الاختلاف لن  يفقد للود قضية،
1- لم تراكم الغرف المهنية المغربية الإيجابيات حتى تكون في مفترق الطرق، و ربما كان تحليل صديقي الهراس ينطبق على الغرف الأوربية التي راكمت الإيجابي و تطمح الى الجيد ما يجعلها مضطرة للاختيار بين هذا و ذاك.
2- هوية الغرف المهنية هوية عالمية   une «marque» internationaleحتى لو قالت القوانين الوطنية غير ذلك، و بالتالي فإن الهوية لا تشكل إشكالية، مؤكدٌ أنه من الواجب أن تتطور الاختيارات على مستوى التموقع و تتغير الاستراتيجيات و أساليب العمل حتى تتلائم مع تطور البنيات، لكن  المبادئ الأساسية و المفاهيم التي ترتكز عليها الهوية إما أن تكون تابثة و ذات حمولة واضحة على مستوى الاختصاصات أو لا تكون. 
 3- المصلحة العامة واحدة لا تتجزأ  و التكامل بين القطاعات في إطار ما تقتضيه المصلحة العامة يعطينا مؤسسة اسمها الغرفة المهنية و ذلك مهما اختلفت طبيعة القطاعات و تباعد تطور و حجم المقاولات على المستوى الرأسمالي و التكنولوجي، إن التكامل هو جوهر الغرفة المهنية، كما أن المصلحة العامة هي محراب التجانس الذي تقدم من أجله التنازلات.
4- إن الغرفة المهنية هي بيت التناغم الملائم لتمثيل مصالح كل المقاولات، و ربما كان تحليل الدكتور الهراس يتلائم و طبيعة الجمعيات و النقابات المهنية التي تمثل مقاولات دون أخرى كبيرة أو صغيرة منخرطة أو غير منخرطة...
5- لا أقصد القول بأن الغرفة المهنية هي مفهوم مؤسساتي غير قابل للتطوير، لكنني أصر و أوقع: النموذج الفرنسي الذي يرقى بالغرفة المهنية إلى "درجة" المؤسسة العمومية هو الوحيد الأجدر بحمل تسمية "الغرفة المهنية"، في حين تبقى النماذج الأخرى مجرد تصنيفات تطورت للأسباب التي ذكرها السيد الهراس.
كانت هذه بعض النقط التي أختلف حولها مع صديقي الهراس، إلا أن النقطة الخلافية الأساسية تتعلق بإعادة النظر في الإطار القانوني و التنظيمي و تكييفه مع تطورات البنيات الاقتصادية و السياسية التي يراها الأستاذ الهراس كفيلة بإحداث التغيير المرجو..
 
ضرورة استحضارالتدبيرالجيد أولاً  وأخيراً:
يعلم الجميع أن المناظرة الثانية لغرف التجارة والصناعة والخدمات التي نظمت بتاريخ   09 يوليوز2008  قد أفضت إلىإصدارأكثر من خمسين توصية وتوقيع اتفاقيتين، و بقدر ما ظهر جلياً من خلال اشتغال لجان الإعداد ومن قراءة و لو سطحية للتوصيات أن الطابع القانوني قد طغى على التصورات والاقتراحات، بقدرما أرى شخصياً أن المقاربةالقانونية لا تكفي ولا يمكن اعتمادها كحل للأزمة التي تعيشها الغرف المهنية، وهي أزمة يُفترض لتجاوزها استحضارالتدبيرالجيد.
وبغض النظرعن المشاكل المرتبطة بالإطارالقانوني والتنظيمي (عدم وجود نظام أساسي خاص بالموارد البشرية من شأنه حلحلة المشاكل المتعلقة بالتحفيز و التنقيب عن الكفاءات،اختصاصات لا تتماشى والتطورات التييشهدهاالمحيطالاقتصادي،مدونة للانتخابات لا تعكس التوزيع الجغرافي والوزن الاقتصادي لمختلف القطاعات...) هذه الصعوبات التي تستوجب بالتأكيد ملائمة الترسانة القانونية،  فإن التموقع الجيد ومهننة الخدمات و توفيرالإمكانيات المالية هي ضروريات تستلزم حكامة جيدة تتطلب بدورها  شروطاً ترتبط  بانتخاب أعضاء جيدين ذوي خبرة وبوجود أطر بكفاءات عالية.
 إن الغرف تعاني من مشاكل ترتبط بالحكامة والتدبير،وحتى لو افترضنا استصدار كل القوانين وتوفير كل الإمكانيات الماليةفإن ذلك لايعني بالضرورةالقضاءعلىكل الصعوبات التي تحول دون الوصول إلى مؤسسات فعالة، بل ربما بقي الوضع على ما كان عليه.
 يتحدث الكل عن الاختلالات، والاختلالات ترتبط كما هو معلوم و في كل الأحوال بالحكامة و بالتدبير، ربما تكون القوانين معرقلة و لكن ذلك لا يعفي من التساؤل: من و ما الذي يمنع الغرف المهنية من تحقيق الحد الأدنى الممكن من البرامج في إطار القانون الحالي و بالميزانيات الحالية؟ كم من غرفة تقدمت بمشاريع لتمويلها في إطار الصندوق الذي أحدثته الدولة  لهذا الغرض؟ قليل ما هي، هل تقوم الغرف المهنية بدورها الاستشاري بأسلوب صحيح و لو في إطار ما يمكن "أن تتقدم به من تلقاء نفسها" هذا لو فرضنا جدلاً غياب الاستشارة الرسمية؟
نلقي باللائمة على الطبيعة الاستشارية لدور الغرف المهنية، إنه نوع من الهروب إلى الأمام، من قال إن دور الغرف هو استشاري حصرياً ؟ ثم إن الدور الاستشاري هو من أهم الأدوار على الإطلاق، فأن يستشيرك الآخرون يعني أنك خبير في مجال ما، فهل يمكن حالياً اعتبار الغرف المهنية المغربية بيوت خبرة؟
من جهة أخرى، أعتبر أن "استقدام" - بمعنى اختيار- أعضاء  و انتخابهم  من بين أفضل رجال الأعمال وأنجحهم لا يكفي إذا لم يقتنع هؤلاء بأن الهدف من انتخابهم ليس هو التعامل مع الغرف "كمطية مصلحية أو انتخابية"،بل إن وجودهم بالغرف هو للعمل من أجل "جعلها رافعة للاستثمارالمنتج"  كما قال صاحب الجلالة، و ذلك عبر نقل و تعميم النماذج الناجحة لتستفيد منها القطاعات من خلال توفير فرص الظهور والنجاح أمام رجال أعمال آخرين.
الغرف هي إذاً مؤسسات أُحدثت  لنقل النجاح في مجال الأعمال بين أعضاء منتخبين يُفترض أن يكونوا قد نجحوا في أعمالهم، من جهة، و بين المنتسبين للقطاعات الممثلة  داخل الغرف تحت ضمانة التفاعل في إطار ما تقتضيه المصلحة العامة، من جهة أخرى، وذلك عبر وضع استراتيجيات وتنفيذ برامج تصب في اتجاه الرفع من مستوى القطاعات بمساعدة كفاءات إدارية و تقنية متخصصة.
إن غياب شروط نقل النجاح يعني بكل بساطة وجود مؤسسات صورية عوض غرف حقيقةً مهنية، فهل تتوفر الرغبة لدى المنتخبين بالغرف المهنية، الناجحين مهنياً منهم على الأقل، في جعل من صوتوا عليهم يستفيدون من نجاحهم و تجربتهم؟  إنه السؤال المحوري الذي يفرض استحضار مفهومين أساسين: المؤسسة العمومية و المصلحة العامة.
 وددت التطرق حصرياً إلى هذه النقطة نظراً لأهميتها في اعتقادي، أما الاختلالات التي تعاني منها الغرف المهنية على مستوى التدبير Management فهي معلومة و لا أرى داعياُ  للتطرق إليها لإقامة الدليل على أنها تعتبر السبب الرئيسي في ما آلت إليه الغرف، و يظهر بالتالي أن الإصلاح لن يكون حقيقياً و عميقاً إذا اكتفى بالمقاربة القانونية .
لكن ما دام الأستاذ الهراس قد ركز بخصوص تشخيص وضعية الغرف، رغم حذره الشديد، على أن الاختلالات ترتبط  ب  ) وجود ممارسات غير متطورة، و ضعف لجوء رجال الأعمال إلى الغرف، ضعف المصداقية، تسييس البنيات و غياب الوضوح الاستراتيجي،  فإنني بقدر ما أتفق معه حول عناصر التشخيص بقدر ما فاجأني حين لم ينتبه إلى أن أسباب ضعف الغرف كما شخصها هي عوامل تتعلق كلها بالتدبير و لا ترتبط  كثيراً  لا بالهوية و لا بالإطار القانوني الذي لم يستهلك بعد على مستوى الممارسة .
كل هذا يدفع في اتجاه القول بأن مفهومي المصلحة العامة و المؤسسة العمومية عنصران ضروريان لتأطير تدبير المنتخبين لهذه المؤسسات، أما على مستوى التطبيق و حتى يتم إصلاح و تفادي الإختلالات فإنه من الضروري فرض حد أدنى من الضمانات التحفيزية عبر برامج تعاقدية و دفاتر للتحملات، لأكون في هذا السياق متفقاً مع صديقي الهراس على اللجوء إلى المقاربة القانونية في حدها الأدنى.
 
 
هي إذاً دعوة لمنتخبي الغرف و أطرها و لكل المهتمين للمشاركة في هذا الحوار لإغنائه

 
  Aujourd'hui sont déjà 19734 visiteurs (49580 hits) Ici! Copyright Mohamed SFA 2008  
 
Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement