"مقاولتي" و الشباب فوق العادة !
محمد الصفا ، باحث
كثر الحديث عن برنامج مقاولتي و عن "فشله الذريع" و عن "الارتجالية" التي طبعت إخراج البرنامج إلى حيز الوجود، و عن موقف الأبناك التي "رفضت" الانخراط في إنجاح هذا المنتوج من خلال "وضع شروط تعجيزية" أمام تمويل المشاريع المقترحة.
كما تفنن الكثيرون في انتقاد عدم واقعية الأهداف التي سطرها واضعو البرنامج على ثلاث سنوات (2006-2008) و التي لم تتجاوز نسبة الانجاز 5 في المائة من النتائج المتوخاة.
و حيث أن الانتظارات كانت كثيرة و متعددة خاصة على المستوى الاجتماعي فإن هذا الاهتمام يعتبر طبيعياً، فخلق 30 ألف مقاولة صغرى و 90 ألف فرصة شغل على مدى ثلاث سنوات يعد هدفا مغرياً.
لكن، هل يمكن القول إن حدة الانتقاد ربما قد تكون مقبولة مقارنة مع طموحات واضعي البرنامج التي يقال أنها لم تكن واقعية ؟
في جميع الأحوال فإن "غياب الواقعية" لدى واضعي البرنامج يمكن إرجاعه إلى عدة أسباب ربما كان من بينها الاجتماعي، أما غياب الواقعية عند المنتقدين فربما كان غير مقبول على مستوى المنهجية.
لست هنا بصدد الدفاع عن واضعي برنامج "مقاولتي" فالبون شاسع بين الأهداف و النتائج، كما أن ذلك لا يعني أن البرنامج قد فشل فشلاُ ذريعاً، لا أعتقد ذلك، أنا أقول فقط إن النتائج كانت طبيعية و السلام.
أرى أنه يجب على الجميع التحلي بالواقعية، ففي وسط يتسم بغياب روح المبادرة و الثقافة المقاولاتية ماذا نقترح على شبابنا الذي يعاني من البطالة؟ نقول لهم "لا تعولوا كثيراُ على الوظيفة العمومية"، و هذا صحيح، " بل شمروا على سواعدكم و تحلوا بالشجاعة و بالمخاطرة و بالاعتماد على النفس و ابحثوا لكم عن أفكار مشاريع تستثمرون فيها بمساعدة الجمعيات و المؤسسات العامة المختصة و الابناك ..." هذا صحيح كذلك، لكنه ليس صحيحاَ بالنسبة لبعض الشباب الذي تمت "برمجتهم" تكوينياً و عائلياً و مجتمعياً على إمكانية أن يصيروا موظفين عموميين.
كم من شبابنا تتوفر لديهم الرغبة التلقائية لخوض نضال التشغيل الذاتي؟ كم هي نسبة أبنائنا، من الذين تتوفر لديهم الرغبة التلقائية، الذين يستطيعون فعلاً أن يخاطروا و أن ينافسوا؟ ما هو عدد الذين يتوفرون على الروح الحقيقية للمبادرة و على كفاءات و مؤهلات النجاح في مجال الأعمال؟ كم من هؤلاء، الذين يتوفرون فعلاً على روح المبادرة، يستطيعون إيجاد أفكار مشاريع ذات جدوى؟ ربما كانوا كثيرين، لكن في الواقع ليست الأمور بالسهولة و البساطة التي نعتقد.
إن المقاولين و المستثمرين و رجال الأعمال ليسوا أشخاصاً عاديين، إنهم "كائنات" فوق العادة، "و قليل ما هُم".
إن القول بأن برنامج "مقاولتي" يندرج ضمن الانشغالات الاجتماعية للحكومة أضفى على المنتوج طبيعة اجتماعية محضة، بل دفع بالبعض إلى الاعتقاد أن على واضعي البرنامج، في إطار محاربة البطالة، التكفل كلياً بالمرشحين للتشغيل الذاتي من خلال السهر على إحداث مشاريعهم وبتمويلها وتسييرها وضمان نجاحها، كما اعتقدوا أن كل الشباب من حاملي الشهادات معنيين بالاستفادة بغض النظر عن مؤهلاتهم وإمكانياتهم وشخصيتهم.
إن برنامج "مقاولتي" هو منتوج اقتصادي محض، ويبقى كذلك حتى لو كانت النية هي مداواة مرض اجتماعي اسمه البطالة، ويجب على كل الفاعلين أن يتعاملوا مع "مقاولتي" بالموضوعية والواقعية المطلوبتين في مجال الاقتصاد.
أنا لا أتفق مع القول إن الأبناك رفضت دعم "مقاولتي" و أنها حاولت وضع شروط تعجيزية أمام حاملي المشاريع، إن الأبناك لا يمكن أن تتموقع بالنسبة ل"مقاولتي" إلا بأسلوب اقتصادي واقعي، لا أعتقد أن هناك بنكاً واقعياً يرفض تمويل مشروع تبثت جدواه الاقتصادية ويحمله شخص يتوفر على المؤهلات المطلوبة. قد تكون الأبناك غير متحمسة لأسباب ترتبط بتجربة منتوج "المقاولين الشباب" السابق، لكن في جميع الأحوال وكما يقول المثل المغربي "حتى قط ما كيهرب من دار العرس".
إن الواقعية تفرض أن نطرح الأسئلة التالية : كيف لشاب لا يستطيع إيجاد عمل أن ينجح في إحداث مقاولته الخاصة ويشغل معه عاطلين آخرين؟ هل يمكن للشباب الانخراط في خلق المقاولات لتجريب الحظ فقط لأنهم عاطلون لم يجدوا عملاً.
إن الاقتراح الحكومي الذي يحمله "مقاولتي" يستهدف كل الشباب، بل إنه يعني حتى العاطلين لأنه يمكن أن يكون من بينهم مرشحين جيدين، لكن ليست وضعية العطالة المقياس أو الشرط الوحيد، بل لابد من التوفر على الحد الأدنى من المؤهلات.
كيف لشاب لا يحسن التواصل، "ماشي قافز"، خجول لا ينظر في عيني مخاطبه، ألف الإتكالية ، يذهب إلى شباك "مقاولتي" مرفوقاً بوالده، كيف له أن يقنع بنكاً بأهمية مشروعه وضرورة تمويله؟ ربما كان هذا النوع من المرشحين قليلاً، لكن الموضوعية تقتضي هنا الإشارة إلى أن نجاح أو فشل أي مشروع يعود إلى شخصية حامله بنسبة يمكن أن تفوق 80 في المائة رغم ثبوت جدواه اقتصادياً.
صحيح، إن الدولة وفرت من خلال "مقاولتي" فرصة للتشغيل الذاتي من خلال خلق المقاولات وأحدثت من أجل ذلك شبابيك ولجاناً ومساطر ومساعدات تتعلق بالتكوين والتمويل والضمان والمرافقة البعدية، لكن ذلك لا يعني أن مسؤولية الحكومة هي مسؤولية نتائج، إن الاستثمارات والمقاولات الخاصة كيفما كان حجمها، لا تحدث بقرارات بل هي وليدة اختيارات وقناعات شخصية .
إن للدولة مسؤولية ترتبط فقط بالوسائل «Rôle de facilitateur» أما "مقاولتي" فالكرة في ملعب الشباب، .....شباب فوق العادة نثق في قدرته على الخلق و الإبداع.